استراتيجية التدويل وأهدافها
التدويل هو فكرة أهل الموصل. كل شيء أخبر أهل الموصل عنه العالم الخارجي عن تدمير قوات الحكومة والمليشيات الطائفية المرتبطة بها وبإيران لمدينتهم وإهانة آدميتهم في العراء تحت الأمطار والثلوج والأوحال دون ماء أو دواء والشروع قبل ذلك بمعركة استعادة مدينتهم من دون توفير سيارة إسعاف أو كرسي متحرك للمعوقين أو مستوصف وتغيير الخريطة السكانية والهوية الثقافية لها والإساءات الطائفية كل هذا تعبر عنه كلمة واحدة هي “التدويل”، وأهل الموصل يقولون: هذا ليس سلوك حكومة مع مواطنيها.
قد يأخذ مطلب التدويل وقتاً طويلاً وقد يقع بشكل مفاجئ بقرار دولي ويكون حينها أمراً واقعاً.
• فرق بين أن يكون التدويل بموجب خارطة طريق يضعها خبراء المجتمع بما ينسجم مع مطالب أهل الموصل (وهو ما تسعى إليه مؤسسة الموصل) وبين أن يترك ليكون قراراً دولياً بمصالح لا تنسجم مع مصالح الموصل وخصوصياتها.
النقطة الأساسية هي: هل خبراء المجتمع قادرون على وضع وتنفيذ خارطة الطريق؟
القوى الدولية تدرك أنها حين تتعامل مع قضية الموصل فإنها لا تتعامل مع أكفأ من يمكن أن يفرزه مجتمع كالموصل وأن صراع المصالح بين السياسيين وما يتسرب عن مؤتمراتهم ويسمعه الناس لا يرتقي إلى المستوى الذي يرضي أهل الموصل وليسوا بالتالي الفريق الأكفأ لمسك خريطة سياسية شديدة التعقيد تتطلب مصداقية حقيقية في ظل تنافسات دولية على المنطقة. من جهة أخرى هذه الصراعات ستنتقل ما بعد داعش إلى ساحة المجتمع وتُدخل الموصل في دوامة جديدة من الفساد وتتركها ضحية لصراع إقطاعيات السياسة والإعلام والمال الذي لا ينتهي وقد بدأت.
هناك قاسم مشترك بين مصالح الموصل وبين مصالح قوى التدويل وهناك حاجة لدى الموصل في أن تكون مصالحها محوراً لمصالح التدويل. المهمة ليست سهلة لكنها غير مستحيلة.
• الموصل بحاجة إلى تقديم بديل، هي بحاجة إلى نقل إدارة ملفات أزماتها من دائرة السياسيين إلى دائرة خبراء المجتمع في المواضع التي تقتضي الابداع وحرية التفكير لإعادة ترميم المجتمع وتأسيس عقد جديد له كتخصصات الاجتماع والإدارة والتربية والتخصصات الموارد البشرية التي تقع خارج اختصاص السياسة واهتمامات السياسيين. المكاسب الأولية آنية.
محلياً: تسمية المشكلات بأسمائها الحقيقية والبحث عن الحلول في المكان الصحيح وتلاشي التسميات السياسية الرمادية التي ليس لها مدلول ثابت والتشخيص هو نصف الحل.
دولياً: ترفع دائرة أهل التخصصات مستوى حوار الموصل مع المنظومات العالمية إلى مستويات التخصصات العلمية (بالمقارنة مع الحوار السياسي الضيق) وتقدم المبادرة ولا تكتفي بالتلقي. ترفع العلاقة الجديدة فرص الشراكة مع شرائح عديدة في مجتمعات الدول الفاعلة وتحقق للقضية المحلية أسباب النجاح المحلية والخارجية معاً فتكون مشروعاً للاستثمار وليس للاستعطاف.
هذه مرحلة استثنائية يمر فيها المجتمع (كل مجتمع) عندما تغيب الدولة وتنغلق سبل السياسة ويحكم فيه الفساد أو بعبارة أخرى: انتقال من إدارة الدولة (الغائبة) إلى إرادات الأفراد وينتهي هذا الدور بتعافي الدولة واستئنافها لوظائفها.
الموصل بحاجة إلى منظومة خبراء وحكماء من أبنائها يساندها أبناؤها من أهل التخصصات في المغترب الذين على مقربة من نجاحات المجتمعات المستقرة للعمل مع القوى الدولية للحماية والإعمار. تستفيد المنظومة في عملها من الغطاء الأمني والاستقرار الذي يوفره التدويل والذي يستمر إلى غاية اكتمال عملية إعادة البناء ووقوف مؤسسات المدينة على قدميها وتعافي الدولة واطمئنان الموصل على نفسها من مؤسساتها.
• يشمل دور منظومة أصحاب خبرات وحكماء المجتمع على:
إعادة تأهيل الإنسان وإعادة البناء.
تأسيس النظام الإداري والسياسي.
الإعداد للانتخابات.
مراقبة أداء النظام السياسي.
• تنسحب المنظومة من المشهد السياسي مع نضوج النظم الإدارية وتمارس دورها كمنظومة رقابية. هذه صيغة تفهمها مجتمعات الدول الفاعلة وتدفع ثمناً باهضاً اليوم لغيابها في حواضر الشرق، وتجد مؤسساتها المدنية والأكاديمية فيها فرص لمشاريع مشتركة حقيقية.
وعليه فإن التدويل ليس غاية وإنما وسيلة لأهداف تخدم مصلحة الموصل وما لم تكن هذه الوسيلة من حصة خبراء المجتمع فستكون من حصة شوائبه. المؤشرات الأولى على وقوع خبراء المجتمع خارج اختيار آليات التدويل هو إتجاه القوى الدولية إلى المكونات العشائرية، فعلى الرغم من أن الموصل مجتمع عربي النسب عروبي الانتماء يعتز بأنسابه العربية إلا أنه ليس كياناً عشائرياً وإنما حاضرة لا تدخل القبيلة في عملية اصطفافه أو تلعب دوراً في قرار الفرد فيه وسلّم الارتقاء فيه يقوم على أساس الكفاءة وليس النسب.
لا يختلف العراقيون (باستثناء السياسيين) ويشاركهم رئيس الدولة التي تحتل بلادهم (الرئيس الأمريكي دونالد ترمب) أنه ليس في العراق دولة اليوم وأن إعادة نظامه الإداري لا تقل تعقيداً عن عملية تأسيسه من نقطة الصفر الإداري في عام 1923 إبان الاحتلال الانكليزي، حينها مثل خبراء الفريق الإداري من الجيل السابق حبل النجاة لمجتمع فقد دولته (العراق بعد زوال الدولة العثمانية) ويبحث عن سبيل لاستئناف الحياة الاجتماعية فكان العراق الذي استوعب المسلم والمسيحي واليهودي والعربي والكردي والشيعي والأرمني ونعم فيه الجميع. ما حدث بعد عام 2003 كان العراق على موعد معه في عام 1923 بنفس الأفكار والشخوص. كان دور الخبراء (حقوقيون واقتصاديون ومؤرخون وعلماء اجتماع) حاسماً في تغليب مصالح المجتمع على مصالح الاحتلال.
أما أهل الموصل ـ الفريق الإدراي المتميز للدولة العراقية التي سقطت في 2003 ـ فهم حبل نجاة أنفسهم (بعد الله) ومدينتهم ومن يعيد بناءها ويصون تراثها ويزيل آثار تدمير الفرس الثاني لها في القرن 21 بعد تدميرهم الأول في القرن السادس قبل الميلاد.
أهل الموصل رسموا خارطة الطريق للتدويل: مدينتنا حاضرة؛ الدولة بالنسبة لها كالماء للسمكة وقد ذهبت، ليس فيها أحزاب سياسية يجتمع الناس حولها ولا سياسيين لهم مشاريع يثق الناس بها ولا هي بيئة قبلية تتبع رأس القبيلة وهي تريد الأمن والاستقرار لتتمكن من إعادة الاطصفاف وتعبئة كفاءاتها ووضع القدم على طريق إعادة البناء والنهوض كما فعلت في الماضي ولهذه الغاية تطلب التدويل.